رواية قنديشة اللعنة المدفونة للكاتبة ايمان الناضفي

رواية قنديشة اللعنة المدفونة للكاتبة ايمان الناضفي





 في أروقة الظلام حيث تتشابك الأرواح الهائمة مع الهمسات الخافتة، تخرج إلينا رواية "قنديشة: اللعنة المدفونة" للكاتبة إيمان الناضفي، كابوسٌ يُستعاد من ظلال الماضي، يبعث الرهبة في النفوس ويوقظ الحكايات المنسية.

قنديشة… ليست مجرد اسم، بل لعنةٌ تتوارى خلف الأساطير، صوتُ امرأةٍ بين الحقيقة والسراب، يسكن الليالي، يتسرب إلى الأحلام، ويتربص بالفضوليين الذين يجرؤون على كشف المستور.

في هذه الرواية، يتمازج الواقع بالخرافة، فتصبح الخطوات على الأرض وكأنها تدوس على رفات منسيّة، وتتحول الأبواب إلى أفواه مفتوحة تبتلع الداخلين. هنا، لا أحد آمن من لعنات الماضي، ولا أحد يخرج كما كان.

تُحاك القصة بخيوط الغموض والرعب، حيث تحفر الكلمات ممرات سرية في عقولنا، تأخذنا بين أنفاق الزمن، حيث تُبعث الظلال وتُسمع أصوات من عالم آخر. إيمان الناضفي تنسج الأحداث بروح حكّاءة بارعة، تضعنا أمام تساؤل مريع: هل الماضي ينام حقًا، أم أنه يختبئ في الزوايا المظلمة ينتظر لحظة انتقامه؟

"قنديشة: اللعنة المدفونة" ليست مجرد رواية، إنها تجربة تعيشها بكل جوارحك، حيث تمتد اللعنة من بين الصفحات لتلامس روحك، تجعلك تتلفّت حولك، تتحسس الجدران، وتتساءل: ماذا لو كانت اللعنة لم تُدفن تمامًا؟

عند الغوص في أعماق الرواية، نجد أن الكاتبة تنسج حبكة تتجاوز الرعب المجرد إلى غوص في النفس البشرية، حيث تتشابك المخاوف الداخلية مع الأشباح الحقيقية. هل اللعنات تولد معنا أم أننا نصنعها بأنفسنا؟ سؤال يتردد بين طيات القصة، حيث تتحول التفاصيل الصغيرة إلى إشارات خفية، كأن الكاتبة تهمس لنا: "ليس كل ما هو مدفون يبقى ساكنًا".

تبدأ الأحداث بهدوء يشبه سكون ما قبل العاصفة، شخصيات تبحث عن الحقيقة، وأخرى تهرب منها، لكن مصير الجميع واحد: مواجهة الماضي، مواجهة الظلام القابع تحت الجلد. عبر سرد متقن، تتلاعب الكاتبة بالإيقاع، ترفع التوتر حينًا، وتترك القارئ يلهث خلف الأجوبة حينًا آخر. وحين نظن أننا فهمنا اللعبة، يأتي الانقلاب المفاجئ، حيث تتشظى الحقيقة كمرآة متصدعة، تعكس وجوهًا لا نجرؤ على مواجهتها.

عالم الرواية ليس مجرد فضاء مكاني، بل كيان ينبض بالحياة، القرى المنسية، الأزقة الضيقة، الجدران العتيقة، كلها تشهد على أسرار لم تمحها السنون. التفاصيل الصغيرة تشكل نسيج الرعب، كل همسة، كل ظل، كل باب موارب، يضيف إلى الإحساس بأن هناك شيئًا ما يراقب من بعيد… أو ربما من قرب أكثر مما نتخيل.

ولعل أعظم ما يميز "قنديشة: اللعنة المدفونة" هو أنها لا تقدم الرعب بوصفه عنصرًا خارجيًا فقط، بل تغوص في أعماق النفس، تفتح نوافذ على الخوف الخام، ذلك الذي يسكننا قبل أن نواجهه في العالم. إنها ليست مجرد رواية نقرأها، بل تجربة نعيشها، نتنفسها، نشعر بصداها يتردد في زوايا وعينا.

فماذا لو لم يكن الخوف إلا انعكاسًا لما في داخلنا؟ هل قنديشة شبح من الماضي، أم أنها المرآة التي تعكس ظلال أرواحنا؟ أسئلة تبقى بلا إجابة، لكنها تترك أثرها في كل قارئ يجرؤ على مواجهة اللعنة المدفونة.


 لا تنسى مشاركتها مع قُراء آخرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ ليستفيدوا.

  ألقاك في تدوينة أخرى ممتعة ومفيدة.

تعليقات