نبوءة اللهب: حين تصبح الأحلام حقيقة

                                 "نبوءة اللهب: حين تصبح الأحلام حقيقة"



الفصل الأول: حياة معتادة

لم تكن حياة سوسن أكثر من سلسلة متكررة من الأيام المتشابهة، تتداخل إحداها في الأخرى بلا تغيير يُذكر. كانت تستيقظ مع بزوغ الشمس على صوت المنبّه، تتسلل إلى المطبخ لتحضير الفطور لابنتيها ولزوجها أحمد، قبل أن تبدأ بتجهيز الفطور لها. تمر الساعات بين مهام المنزل المعتادة، الغسيل، التنظيف، الطبخ، ثم تتكرر العادة من جديد. ومع أن البعض قد يجد في هذا النمط اليومي رتابة قاتلة، إلا أن سوسن كانت تستمد منه إحساسًا زائفًا بالأمان والاستقرار.

لكن منذ فترة، بدأ هذا الروتين المطمئن بالتلاشي، وحلّ محله شيء آخر... شيء مظلم لا تفسير له.

الفصل الثاني: كوابيس منتصف الليل

في الليالي الأولى، لم تعره اهتمامًا كبيرًا. كانت مجرد خيالات عابرة، تتسلل إلى أحلامها وتتركها مستيقظة في ظلام دامس. لكن مع مرور الأيام، بدأت هذه الخيالات تتكرر. كانت ترى منزلها يشتعل وسط لهيب متأجج، الدخان يزحف عبر الممرات، الصرخات تتعالى، وصوت الخشب يتكسر من حولها. دائمًا ما ينتهي الحلم بنفس الطريقة: سوسن تقف مشدوهة وسط اللهب، أنفاسها محبوسة، والصوت يتردد داخل رأسها مرارًا وتكرارًا: اهربي! اهربي قبل أن يفوت الأوان!

مع مرور الوقت، أصبحت هذه الكوابيس أكثر تفصيلًا وواقعية. لم تعد مشاهد عابرة، بل تحوّلت إلى تجربة يومية تغمرها بالكامل، تتركها مذعورة تتصبب عرقًا في ظلام غرفتها. حاولت بكل وسيلة أن تتجاهلها، أن تقنع نفسها بأنها ليست سوى تهيؤات عابرة، لكن شيئًا داخلها كان يصرخ بأنه قادم، وأن عليها أن تستعد.

في إحدى الليالي، بعد أن قضت نصف ساعة وهي تتقلّب على سريرها، قررت أخيرًا مصارحة زوجها عامر. التفتت نحوه وقالت بنبرة مرتعشة: — "عامر، لا أستطيع النوم... كل ليلة أرى الحريق مجددًا، وكأنها رسالة تتكرر، كأنها تحاول أن تحذرني من شيء."

نظر إليها بعينين مرهقتين قبل أن يطلق ضحكة قصيرة ويقول: — "سوسن، أنتِ تجهدين نفسكِ بالتفكير، هذه مجرد أحلام، خيال، لا أكثر. ارتاحي، وأغلقي عينيكِ، نحن في أمان."

لكنها لم تكن تستطيع أن تفعل ذلك.


الفصل الثاني: النذير

أصبحت سوسن تكره الليل، تخشاه وتخشاه بشدة. كانت تخشى أن تضع رأسها على الوسادة فتمتد إليها هذه الأحلام كأذرعٍ خفية تحاصر عقلها، تغرقها في دوامة من الهلع والعجز. وجه ابنتيها المتشح بالرعب، الدخان الكثيف، النيران التي تحيط بهما، أنفاسها اللاهثة وسط الدخان الذي يخنق أنفاسها... كانت تستيقظ كل ليلة وهي تلهث، غارقة في العرق، تلتفت حولها بارتباك، تتحسس السرير بجانبها، تتيقن أن عامر ما زال هنا، أن كل شيء لم يكن سوى حلم.

ولكنها كانت تشعر بوجودٍ غريب في المنزل. لم تخبر أحدًا بذلك، فقد كانت واثقة أن الجميع سيعتبرها مجرّد خيالات من امرأة متعبة. بدأت تشكّ أن الكوابيس لم تكن سوى نذير شؤم لما هو قادم، لكنها حاولت إنكار هذا الخوف، حاولت ألا تستسلم له، لكن كل ليلة، كانت تشعر أن الحريق يقترب، وأن الوقت ينفد.


الفصل الثالث: الحقيقة

وفي إحدى الليالي، بينما كانت تغسل الأطباق في المطبخ بعد العشاء، غارقة في تفكيرها، سمعت صوتًا حادًّا يمزق السكون، دوّيٌ مرعب رجّ أركان المنزل. شعرت برجّة عنيفة في قلبها قبل أن تلتفت، وعيناها تتسعان بصدمة لا توصف: النيران تتصاعد من غرفة الجلوس، ألسنة اللهب تلتهم الجدران، والدخان الكثيف يزحف كسحابة سوداء خانقة، يلتهم كل شيء في طريقه.

لم تكن بحاجة إلى أحد ليؤكد لها أن هذا ليس مجرد حادث، بل هو السيناريو الذي كانت تشهده كل ليلة في كوابيسها. أمسكت بيد زوجها وهي تصرخ: — "الفتاتان! أنقذهما!"

اندفعت وسط الدخان الحارق، شعرت بأنفاسها تضيق، بجلدها يحترق، بأصوات ابنتيها تدوي كرصاص في أذنيها. دفعت الباب بيدٍ مرتجفة، وكانتا هناك، في زوبعة من الدخان واللهب، تصرخان باسميهما. أمسكت بهما بقوة، دفعت بهما نحو المخرج، وقبل أن تحترق قدماها بالكامل، خرجت مسرعة إلى الشارع.

هناك، حيث كان الهواء نقيًا والنجوم تتلألأ كأنها بعيدة عن فوضى هذا العالم، جلست سوسن على الرصيف، تحاول استجماع أنفاسها. زوجها إلى جوارها، يحتضن الطفلتين، وعيناه تدوران في الفوضى المتصاعدة أمامهم.

بصوت مرتعش، قالت: — "كنتُ أعلم أن هذا سيحدث، لكن لا أحد أراد أن يصدقني."

نظرت إلى زوجها، فرأت الذهول في عينيه. صمته كان أبلغ من ألف اعتراف. أمسك بيدها المرتجفة بين راحتيه، وعانقها بقوة كأنه يعتذر عن عدم تصديقه لها.

في تلك اللحظة، بين الدخان المتصاعد والبرد الذي بدأ يتسلل إلى جسدها، ابتسمت سوسن. لم تكن رؤاها مجرد كوابيس، بل كانت نبوءة، رسالةً من مكانٍ ما، تخبرها بما سيحدث لتنقذ عائلتها. وسط الدخان المتطاير، همست بامتنانٍ ورعبٍ لا يزال يتردد في نبضاتها المتسارعة: — "الحمد لله... كنت أعلم أن هذا سيحدث."

ثم نظرت إلى أنقاض بيتها المحترق بعينين غارقتين في الدموع، وهي تدرك أن حياتها العادية قد انتهت للأبد.


أتمنى أن تعجبكم القصة  😊🔥

تعليقات